سنتان على رحيل السيد يوسف الجيلاني

من العباقرة الّتي أنجبتها تربة كيرالا فضيلة الشيخ العلّامة السيد يوسف الجيلاني الويلاتوري رحمه الله تعالى رحمة الأبرار.


ولا ينسى أهل السنة والجماعة بولاية كيرالا هذا الشخص البارز الذي أجاب نداء ربه عزوجل يوم السبت ٢١ من شهر كانون الثاني عام ٢٠١٧م، عن عمر يناهز السبعين بعد حياته الحافلة بالأعمال الجليلة والخدمات الطويلة في مجال الدين والدعوة تاركا عيشة مثالية للأجيال القادمة.

     

ولد فضيلته سنة ١٩٤٦م ولدا للسيد كنجكويا والسيدة عائشة في أسرة دينية طيبة اشتهرت بالعلم والتعليم والدعوة والإصلاح بين الناس.

     

ويعد السيد يوسف الجيلاني من أحفاد الجيل الخامس للشيخ الصوفي قاسم ولي الله المدفون في جزيرة 'كاورتي' والذي ينحدر من سلالة قطب الأقطاب الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني رحمهم الله رحمة واسعة.

    

وكان منذ طفولته مهتما بتزكية نفسه ومعتنيا بتطهير سره وشديد العناية بصحبة أهل الله وكثير الاهتمام بمجالسة رجال الله. وصاحب كثيرا من الصلحاء وجالس جما غفيرا من المشائخ العظام وخاصة  الشيخ محمد أبوبكر المشهور بسي يم ولي الله المدووري قدس سره.

     وهو اتخذه شيخا مربيا  وأحبه حبا جما  وقضى معظم شبابه المتدفق في مصاحبته ومجالسته حتى كان تعود على الخروج من ويلاتور إلى مداووري كلّ صباح لزيارته ولقيام بخدمته حتى يكون شيخه في ذمة الله سبحانه. ومن المعروف أن هذا الشيخ كان حيّا في معظم أقوال السيد وأفعاله وأحواله وكان يذكره كلّ حين وآن ويقوم بمدحه مرات بعد كرات في كلّ المجالس والحفلات والبرامج حتى أنه تحدث عنه قبيل أن وافته المنية في خطبته الآخرة التي ألقاها في برنامج انعقد في بلدة كرونفويل بمقاطعة كالكوت.

     

ومن أشهر شيوخه الشيخ عبد الباري مسليار بولاكولم والشيخ محمد مسليار بكرنكافارا والشيخ كويابابا بوينكرا والشيخ أبوبكر مسليار بآلواي والسيد هبة الله بجاوكاد والشيخ عمر القادري بكالكوت.


وتزوج السيد من بنت السيد كت كويا بجاوكاد السيدة صفية، وأنجبت ستة أولاد بما فيها ثلاثة بنين وهم يقدمون خدمات مثالية في مجال الدين والدعوة.

    

ومن الجدير بالذكر أنه كان عونا وسندا لكثير من الناس البسطاء دون أي تفرقة دينية أو عنصرية. ويقصده الناس من كل صوب وحدب التماسا لقضاء حوائجهم وحصول مراميهم ببركة دعائه.

    

ويذكر إبنه الأكبر السيد جلال الدين الجيلاني واقعة حدثت مؤخرا:- ذات يوم، كنت أجلس في غرفة والدي بويلاتوري بعد وفاته، فوفد عليّ أعضاء لجنة منظمة للعمي وقالوا:- أنت رئيسناحاليا، وكان والدك الحنون رئيسنا وملجأنا وكنا تعودنا على زيارته وهو على قيد الحياة، وكان اعتبرَنا حق الاعتبار رغم أنه مشغولا جدا، وكنا نودعه بعدما انعقد اجتماعنا في جواره وتناولنا الطعام معه".


وهذه الواقعة تدل على أنه كان مأوى للملهوفين وملاذا للبائسين حتى يلتف الناس حوله على اختلاف أنواعهم وأصنافهم من المسلمين وغيرهم من العوام والخواص والأرامل والأيتام حاملين مختلف الشكايات منتظرين حل المشكلات.


وهو أيضا لعب دورا بارزا في حل الصعوبات الطبية والمعضلات العلاجية. وكثيرا ما نجد من جملة الواردين إليه من يشتكي عدة أمراض خطيرة يصبحون  أبرياء من دائه بدعائه وبابتهاله إلى ربه.


وأذكر واقعة شاطرني أحد من عشاقه:- إحدى بنات من أقربائه أصابها المرض الخطير، وراجع أهلها الأطباء المهرة واحدا بعد واحد لتشفى شفاء عاجلا وكاملا حتى انقطع أملها بشفائها بواسطة مراجعة هؤلاء الأطباء فصارت حزينة يائسة. فعرف أهلها عن شرف السيد وفضله وأتوه بها وقام السيد بعلاجها فبرئت من كل ما أصابها بتلك الحضرة الشريفة.

 

مرة، عندما سافر السيد إلى الأرض المقدسة للحج المبرور جاء إليه رجل يعمل شرطيا،  وهو صاحب المنصب الأعلى في مملكة العربية السعودية،  مقدما شكاية أنه مصاب بمرض شديد وراجع عدة من الأطباء ولكن، لم يجد أية نتيجة في تلك المراجعة الطويلة. وما إن عرف السيد غاية حزنه وألمه حتى شق له طريق إلى الشفاء الكامل، وإلى ذلك، أشار السيد إلى أنه سيعيَّن في منصب أعلى من المنصب الذي هو فيه الآن. يا للعجب! وهو شفي كل الشفاء وعين في منصب سام خلال مرور أيام قلائل ففرح فرحا غامرا وأعرب عن بالغ شكره للسيد بما أتاح للسيد فرصة ذهبية مرتين للمساهمة في غسل الكعبة الشريفة بإشراف الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وبمشاركة أعضاء مختارة من دول مختلفة. 


رغم أن الإمكانيات الدنيوية بأسرها متوفرة لديه،  لم يكن مترفها بل متقشفا، كان يحب المسكنة والمساكين. ولم يرض بأن يضيع لحظة في ثرثرة لا طائل تحتها، بل حارب الوقت بسيف خير نشاطات ومسيرات. وحاول كل المحاولة أن لا يقصّر في مواظبته على الأوراد والأذكار التي تلقاها من مشايخه الكرام. ودخل ثماني عشرة طريقة من القادرية والرفاعية والشاذلية والنقشبندية والسهروردية والجشتية وباعلوية وغيرها.

 

وكان صاحب راية الحق  والهدى والنمط السليم والنهج القويم وساعد جمعية العلماء السنيين بعموم ولاية كيرالا كل المساعدة في الورطات والتحديات التي واجهها أهل السنة والجماعة خلال نشاطاتها الممتازة.وكان شغل بمنصب رئيس 'جماعة مسلمي كيرالا' لمقاطعة مالابرم، كما كان احتل منصب نائب رئيس جامعة مركز الثقافة السنية بكالكوت.

 

ومن المعلوم أن السيد كان كره حق الكراهية أهل البدعة والضلالة بالإضافة إلى أنه بذل قصارى جهده لإحياء السنة المطهرة وقمع البدعة المظلمة.


ومما يؤيد موقفه الصريح الصارم إزاء أهل البدعة أنه اتخذ قرارا شديدا في شأن بنته التي صارت وهابية متأثرة بحيلة زوجها الوهابي، فقال السيد لها: "منذ الآن أنت لست بنتي حتى تقلعي من قلبك تلك العقيدة الفاسدة، ولن أجيئ إليك عند موتك ولا تأتي إليّ عند وفاتي". وبعد مدة، رجعت تلك البنت إلى طريق الحق والرشاد. 

 

وكان السيد شديد المحبة للعلم والعلماء وكثير الاعتناء بالعلوم والعالمين وكان يعظمهم ويبجلهم ولم يزل عونا معينا لهم،  لا سيما للشيخ قمر العلماء أبو بكر أحمد الملباري حتى أنه أهدى همته وطاقته لمساعدته في الأمور الدينية والدعوة الإسلامية. وعندما جرت 'رحلة خاصة للشيخ أبوبكر أحمد في طول كيرالا وعرضها' هاتفا بشعار 'البشرية تنبّه' التي امتدت ست عشرة يوما،  شارك السيد فيها من البداية إلى النهاية وسعى سعيا مشكورا في كون ذلك البرنامج أحسن البرامج. 


ومما لوحظ به أنه شارك قبيل وفاته في برنامج انعقد في بلدة كرونفويل ونبه الناس فيه قائلا 'عليكم أن تجمعوا وراء قمر العلماء الشيخ أبوبكر أحمد'.  وكان يقول بين الحين والآخر  أنه مشتاق إلى أن يتوفى قبل ما يقضي الشيخ أبوبكر أحمد نحبه لأن يكون ميته يحظى بصلوته عليه ودعائه. فبحسن حظه، حدث قضاء الله عزوجل كما رغب السيد أنه انتقل إلى رحمة الله والشيخ أبوبكر على قيد الحياة. ولم يكد يسمع الشيخ ذلك الخبر المؤسف حتى وصل إلى بيته الذي لفظ نفسه الأخير فيه وجرت تجهيزات الميت تحت عنايته ورعايته.


ونسأل الله أن يرحمه ويرفع درجته ويعيد علينا من بركاته وأنواره في كل حين وآن.

إعداد:  محمد هشام النصري السعدي

hishamkavapura@gmail.com

1 تعليقات

  1. كلمات في عنفوان حلاوتها وطلاوتها
    مبروك حبيبي

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم